
محمد جمال الدين
قانون الإيجار القديم أزمات ومقترحات ونقابات
أتفهم أن تثير عدم دستورية بعض مواد قانون الإيجار القديم، التى كانت تنص على أن المستأجر له الحق فى الإقامة فى الوحدة مدى الحياة ويورثها لأبنائه إذا كانوا مقيمين معه دون زيادة فى قيمة الإيجار، والتى جرى بشأنها عدة تعديلات فى العشرين سنة الماضية، حفيظة واهتمام عدد لا بأس به من المنتفعين، أو من المتضررين منه، كلا الفريقين له أسبابه الوجيهة سواء معارضا أو مؤيدا، لحكم المحكمة الدستورية العليا، الذى بسببه سارع البرلمان بإعداد دراسة مستفيضة عن ملف قوانين «الإيجار القديم»، بما فى ذلك تقييم أثرها التشريعى، وفق محددات معينة لبحث ومناقشة القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن السكنية، والتعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية بروح من التوازن والعدالة.
لذا عقدت لجنة الإسكان جلسات حوار مجتمعى، تم خلالها الاستماع إلى آراء أساتذة القانون المدنى والخبراء وجميع الآراء العلمية المتصلة بملف الإيجار القديم، وإتاحة الفرصة كاملة للملاك والمستأجرين للتعبير عن آرائهم ومواقفهم تجاه مشروع القانون بمنتهى الوضوح والشفافية، حتى يخرج القانون فى النهاية بصيغة تشريعية متوازنة تضمن حقوق طرفى العلاقة الإيجارية وتحقق العدالة بينهما.
حتى هنا الأمر جيد، ولكن غير الجيد والذى لا أتفهمه بالمرة، هو معارضة بعض المنتفعين بالقانون لغير غرض السكنى، مثل الأطباء والمهندسين والصيادلة، وهذا ما بدا واضحا فى اعتراض نقباء هذه المهن أو من يمثلهم على مقترح مشروع القانون المقدم من الحكومة للبرلمان متضمنا مواد تنص على انتهاء كافة عقود الإيجارات القديمة بعد خمس سنوات من تاريخ العمل بمشروع القانون الجديد، وإلزام المستأجر بإخلاء المكان المؤجر وردّه إلى المالك بعد مدة 5 سنوات من تاريخ العمل بمشروع القانون الجديد، مع رفع القيمة الإيجارية إلى 1000 جنيه خلال تلك الفترة الانتقالية تنفيذا حكم المحكمة الدستورية، تلك التعديلات تحديدا هى ما حذرت منها النقابات المهنية الثلاثة، مؤكدة أنه حال تنفيذ تلك المقترحات ستعد بمثابة قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعى.
ولذا قال أسامة عبد الحى، نقيب أطباء مصر، إن مشروع القانون بصيغته الحالية يحمل عواقب كارثية للعيادات الطبية والمنشآت المهنية. مؤكدا أن البند المتعلق بإنهاء عقود الإيجار بعد خمس سنوات يمثل تهديدا مباشرا لاستقرار العيادات، التى تعتمد على الاستمرارية والموقع الثابت لبناء الثقة والسمعة مع المرضى.. مضيفا أن فتح العيادة الخاصة يتطلب سنوات من البناء المهنى والمعنوى، ونقلها بعد خمس سنوات دون ضمانات واضحة يعنى خسائر فادحة، محذراً من أن القرار «قد يؤدى إلى ارتفاع تكلفة الخدمة الطبية أو إغلاق العيادات، ولهذا كان يفترض أن يقتصر القانون على الوحدات السكنية فقط، لكنه طال أيضًا المنشآت المهنية دون دراسة كافية لتأثير ذلك، وأكد أن الأطباء لا يعارضون زيادة القيمة الإيجارية، لكن بشرط أن تكون عبر لجان متخصصة تضع معايير عادلة وفقًا لطبيعة وموقع الوحدة المؤجرة، التى تم التعاقد عليها رضائيا ودستوريا، ولكن ليس بقيمة الحد الأدنى 1000 جنيه التى جاءت بمشروع قانون الحكومة التى قدرت على العقارات الفخمة فى منطقة وسط القاهرة، لأن العقارات فى المناطق الشعبية لا يمكن تطبيق هذه الزيادة الكبيرة عليها.
وللسيد نقيب الأطباء أقول: عن أى استمرارية تتحدث أو سمعة أو ثقة، ونسبة كبيرة من هذه العيادات خرجت من منطقة وسط البلد، وأحياء أكتوبر وزايد والتجمع تشهد على ذلك، بل أن هناك أطباء أغلقوا عياداتهم القديمة مع الاحتفاظ بها لضعف قيمة إيجارها، وأنا شخصيا أعرف أكثر من عيادة ينطبق عليها هذا الوصف، أما حديثك عن الخسائر الفادحة، وارتفاع تكلفة الخدمة الطبية، فهل تستطيع أن تحدد لى وللقراء ثمن تكلفة الكشف فى أقل عيادة فى الأحياء الشعبية التى لا تستطيع أن تتحمل دفع الإيجار المقترح من الحكومة، لأنك وبصريح العبارة لا تحترم عقول من تتحدث لهم أو بشأنهم، فأسعار الكشف لم يعد بقدرة المواطن البسيط ساكن المناطق الشعبية أن يتحملها، فما بالك بعيادات وسط البلد والمناطق الراقية، التى تخطت قيمة الكشف فيها الـ1000 جنيه التى تعترض عليها.
أما نقيب المهندسين فقد رفض مقترح الإخلاء من أصله، مشيرا إلى أن حكم الدستورية لم يتطرق لهذا الأمر، محذرًا من أنه يفجر مشكلة ويخل بالعدالة الاجتماعية، ويعد بمثابة رسالة موت للمستأجرين خلال مدة الخمس سنوات المقترحة فى القانون، ثم عاد وطالب بضرورة أن تستمر عقود الإيجار القديم، مع وضع بعض القيود عليها، على أن تشمل حالة الإخلاء وحال عدم الإشغال فقط، وبخصوص وضع حد أدنى 1000 جنيه زيادة تمت على أساس المناطق الراقية، ولا يمكن تطبيقه على باقى المناطق، وهى قيمة بعيدة عن الواقع تماما.
وللتذكرة فقط أنبه نقيب المهندسين وأقول له: أن قيمة إيجار أى شقة فى أحياء محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية الشعبية تتخطى هذا الرقم بكثير، رغم علمى بأن بعض الأسر المصرية لا تستطيع أن تدفعه، وهنا تقع المسئولية على الدولة لتوفر لمن لا يملك شقة بديلة، إلا إذا كنت سيادتك تقصد مكاتب المهندسين التى تستأجر شققًا فى بعض أحياء القاهرة والجيزة، والتى تضع توقيعها على أى رسم هندسى «بالشيء الفلانى». وبخصوص حديثك عن العدالة الاجتماعية، فأعتقد جازما، أنه لا يجوز أيضا أن نجور على حقوق الملاك، مثلما نحرص على ضمان حقوق المستأجرين. لأنه لا يجوز أيضا استمرار الورثة فى شقة مستأجرة إلى ما لا نهاية.
نصل إلى اعتراض ممثلة نقابة الصيادلة، التى أكدت أن تعديلات القانون ستضر بالصيدليات المؤجرة وقد تؤدى إلى (تكدير السلم الاجتماعي). لهذا ترفض النقابة تحرير العلاقة الإيجارية للصيدليات، لاسيما فى ظل الزيادة الإيجارية التى حددتها الحكومة فى مشروع القانون، مشيرة إلى أن هناك 10,300 صيدلية مؤجرة بنظام الإيجار القديم، فضلا عن مخالفة بعض المواد الواردة فى مشروع القانون للقانون الحالى للصيادلة رقم127 لسنة 1955، والذى يتضمن إسقاط رخصة الصيدلية حال الانتقال من مكانها وضرورة القيد برخصة جديدة شريطة ألا تقل مساحة الصيدلية عن 100 متر، ولهذا لا يمكن التعامل مع الصيدليات المؤجرة وكأنها علبة دواء، لأننا نتحدث عن مهنة وليس تجارة.
قد يبدو اعتراض ممثلة نقابة الصيادلة من وجهة نظرى وجيها فى بعض نقاطه، وتحديدا فى الجزء الخاص بالرخصة وشروط المساحة، تلك الاعتراضات منوط بالحكومة وضع حلول لها، ولكن فيما يخص القيمة الإيجارية، فهى تعد جزءا صغيرا جدا من مكاسب الصيدليات التى تتحقق من بيع أدوات تجميل وبرفانات ومزيلات عرق وخلافه، ما يعد تجارة ليس لها أدنى علاقة بسعر علبة الدواء المصرى منها بالتحديد، خاصة أن المستورد منها له سعر خاص، ليس بإمكان أغلب المصريين التعامل معه.
عموما نص مقترح الإخلاء الذى يرفضه ممثلو النقابات المهنية، من الممكن التعامل معه فى الشقق المخصصة لغير السكنى بالحل الرضائى بين المالك والمستأجر، عيادة كانت أو مكتبًا أو صيدلية، ولكن الرفض لمجرد الرفض وعدم القدرة على الزيادة المقترحة وتكدير السلم الاجتماعى (المفترى عليه)، جميعها أمور سوف يتم تخطيها عند تنفيذ القانون، الذى يعالج سنوات كثيرة من الغبن والظلم، وقع على الملاك.
توضيح أخير: السطور السابقة ليس لها علاقة سوى بمن يستأجرون شققا لأغراض غير السكنى، لأن ما ينطبق عليهم ليس بالضرورة، ينطبق على من يشغلون شققا سكنية.